قال الإمام عليّ (عليه السلام): «شيئان لا يَعرف فضلَهما إلّا مَن فقدهما: الشباب والعافية». من الأخطاء المنتشرة في ثقافة بعض مجتمعاتنا اليوم أنّ الشاب هو خارج إطار المسؤولية والتكليف ولا مانع من تركه على هواه وإعطائه كلّ ما يحلو له، وعدم فرض أيّ قيود على حرّياته، لأنّه ما زال ناقص العقل والوعي وغير مدرك لما يقوم به، وهذا خلاف ما يدعو له الإسلام.. ولذلك ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام) مبادرة الشباب بأحاديث أهل البيت (عليهم السلام) واعتبارها من أهمّ ساحات وشرائح التحدّي على مستوى الجذب والاستقطاب إذ يقول: «بادروا أحداثكم بالحديث قبل أن يسبقكم إليهم المرجئة». واغتنام هذه المرحلة العمرية تناولته النصوص معتبرةً أنّها القاعدة الأُولى للبناء الثقافي والروحي والنفسي للمراحل التالية، وأنّ الاعوجاج في هذه المرحلة له تداعياته الخطيرة بعد ذلك. ورد في وصيّة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لأبي ذرّ (رضي الله عنه): «يا أبا ذرّ اغتنم خمساً قبل خمس: حياتك قبل موتك، وصحّتك قبل سقمك، و فراغك قبل شغلك، وشبابك قبل هرمك، وغناك قبل فقرك».
وعن الإمام عليّ (عليه السلام): «وإنّما قلب الحدث كالأرض الخالية ما أُلقي فيها من شيء قبلته».. فيعتبر فراغ الأوعية الفكرية للأحداث والشباب هو سرّ اهتمام أهل البيت (عليهم السلام) بهم وذلك لأنّ الأرض الخالية تستطيع أن تزرع بها ما تشاء بخلاف الأرض المزروعة من قبل الآخرين فإنّها تحتاج لجهدٍ مضاعف حيث عليك أن تقوم بحراثتها وتنظيفها ورمي ما زُرع فيها ثمّ العمل على زراعتها من جديد. وكما أنّ الشباب طاقة، فهو أيضاً نِعمة، والنِّعمة تواجه بالشُّكر لا بالكفران، وشُكرُها يكون بأن نؤدِّي حقّها، وهو لا يكون بالقول فقط، بل بالفعل أيضاً، وذلك بأن نستثمرها فيما خُلقت له، فنِعمة المال - مثلاً - يكون شُكرها بأداء حقّها إلى الفقراء والمساكين، ونِعمة الصحّة والشباب تُشكران ببذلهما فيما يرضي الله تعالى. وبما أنّ الشباب طاقة، فسوف يُسأَل المرء عنها يوم القيامة، ففي الحديث الشّريف: «لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى تسأل عن أربعة: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه، وفيما أنفقه، وعن حبّنا أهل البيت» . وبما أنّه نِعمة، فهذا ما يجعله مورداً للسؤال - أيضاً - يوم القيامة، كما يسأل عن كلِّ النِّعَم، (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ) (التكاثر/ 8). ولأنّ الشباب هو مصدر الطاقة التي لا تنضب، وهم بُناة النهضات، وحملة المشاعل، وهم وقود وطلائع الحركات الإصلاحية في مختلف العصور، لذلك من المهم توجيههم إلى استغلال أوقات فراغهم الاستغلال الأمثل.. الاستغلال الذي يكون بصالحهم لتحقيق وجودهم بالدرجة الأُولى، والانفتاح والتفاعل مع المجتمع بالدرجة الثانية لينهض الفرد والمجتمع بذات الوقت.
مقالات ذات صلة
ارسال التعليق